حكى أنه لما دخل
هارون الرشيد حرم مكة أبتدأ بالطواف ومنع الناس من الطواف فسبقه أعرابى
وجعل يطوف معه فشق ذلك على أمير المؤمنين والتفت إلى حاجبه كالمنكر عليه
فقال الحاجب للأعرابى : خلّ الطواف ليطوف أمير المؤمنين فقال الأعرابى : إن
الله ساوى بين الأنام فى هذا المقام والبيت الحرام فقال تعالى : " سواء
العاكف فيه والباد ومن يرد بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " فلما سمع
الرشيد ذلك من الأعرابى أمر حاجبه بالكف عنه ثم جاء الرشيد إلى الحجر
الأسود ليستلمه فسبقه الأعرابى فإستلمه ثم أتى إلى المقام ليصلى فيه فسبقه
فصلى فيه فلما فرغ الرشيد من صلاته وطوافه قال للحاجب إئتنى بالأعرابى فأتى
الحاجب الأعرابى وقال له أجب أمير المؤمنين فقال مالى إليه حاجة إن كانت
له حاجة فهو أحق بالقيام واليها فإنصرف الحاجب مغضباً ثم قص على أمير
المؤمنين حديثه فقال صدق نحن أحق بالقيام والسعى إليه ثم نهض الرشيد حتى
وقف بإزاء الأعرابى وسلم ورد عليه السلام فقال الرشيد : يا أخا العرب أأجلس
هنا بأمرك ؟ فقال له الأعرابى : ليس البيت بيتى ولا الحرم حرمى البيت بيت
الله والحرم حرم الله وكلنا فيه سواء إن شئت تجلس وإن شئت تنصرف فعظم ذلك
على الرشيد حيث سمع ما لم يخطر فى ذهنه وما ظن أحداً يواجهه بمثل ذلك فجلس
إلى جانبه وقال له يا أعرابى : أريد أن أسألك عن فرضك فإن قمت به فأنت
بغيره أقوم وإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز فقال له الأعرابى : سؤالك هذا
سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ فتعجب الرشيد من سرعة الأجابة وقال : بل سؤال
متعلم فقال الأعرابى : قم وإجلس مقام السائل من المسئول فقام الرشيد وجثا
على ركبتيه بين يدى الأعرابى وأعاد السؤال مرة أخرى فقال الأعرابى : تسألنى
عن أى فرض ؟ أعن فرض واحد أم عن حمسة فروض أم عن سبعة عشر فرضا أم عن
أربعة وثلاثين فرضا أم عن أربعة وتسعين فرضا أم عن واحدة من أربعين أم عن
واحدة فى طول العمر أم عن خمسة من مائتين فضحك الرشيد مستهزئا به ثم قال
سألتك عن فرض فتأتينى بحساب الدهر قال يا هارون لولا أن الدين حساب لما أخذ
الله الخلائق بالحساب يوم القيامة قال تعالى : " فلا تظلم نفس شيئا وإن
كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " قال فظهر الغضب على وجه
الرشيد وقال وتربة آبائى واجدادى إن لم تفسر لى ما قلت وإلا أمرت بضرب
عنقك بين الصفا والمروة فقال الحاجب : يا أمير المؤمنين أعف عنه وهبه لله
تعالى لأجل هذا المقام الشريف فضحك الأعرابى من قولهما فقال له الرشيد مم
تضحك ؟ قال عجبا منكما فإن أحدكما يستوهب أجلا قد حضر والآخر يستعجل أجلا
لم يحضر فلما سمع الرشيد ذلك هانت عليه الدنيا ثم قال سألتك بالله إلا فسرت
لى ما قلت فقد تشوقت نفسى إلى شرحه فقال الأعرابى : أما سؤالك عما فرض
الله علىّ فقد فرض الله علىّ فروضا كثيرة فقولى لك عن فرض واحد فهو دين
الإسلام وأما قولى لك عن خمسة فروض فهى الصلوات الخمس وأما قولى لك عن سبعة
عشر فهى سبع عشرة ركعة فى اليوم والليلة وأما قولى لك عن أربع وثلاثين فهى
السجدات وأما قولى لك عن أربع وتسعين فهى التكبيرات وأما قولى لك عن واحدة
من أربعين فهى الزكاة دينار من أربعين ديناراً وأما قولى لك عن واحدة فى
طول العمر فهى حجة واحدة فى طول العمر على الإنسان وأما قولى لك عن خمسة من
مائتين فهى زكاة الورق فتعجب الرشيد وفرح من تفسير هذه المسائل فقال
الأعرابى : سألتنى وأجبتك فإذا سألتك أنا تجبنى ؟ فقال الرشيد : سل فقال
الأعرابى : ما يقول أمير المؤمنين فى رجل نظر إلى إمراة وقت الصبح فكانت
عليه حراماً فلما كان الظهر حلت له فلما كان العصر حرمت عليه وإذا كان
المغرب حلت له وإذا كانت العشاء حرمت عليه فإذا كان الفجر حلت له وإذا كان
الظهر حرمت عليه فلما كان العصر حلت له ولما كان المغرب حرمت عليه فلما كان
العشاء حلت له فقال له الرشيد : لقد أوقعتنى فى بحر لا يخلصنى منه غيرك
فقال الأعرابى : أنت أمير المؤمنين وليس أحد فوقك ولا ينبغى أن تعجز عن شىء
فكيف تعجز عن مسألتى فقال الرشيد : لقد عظم قدرك العلم ورفع ذكرك فأريد أن
تفسر لى ماذا ذكرت إكراما لى ولهذا البيت الشريف فقال الأعرابى : حبا
وكرامة فأما قولى لك فى رجل نظر إلى إمرأة وقت الصبح فكانت عليه حراماً
فهذا رجل نظر إلى أمة غيره فهى عليه حرام فلما كان الظهر إشتراها فحلت له
فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه ولما كان المغرب تزوجها فحلت له ولما كان
العشاء طلقها فحرمت عليه فلما كان الفجر راجعها فحلت له فلما كان الظهر
إرتد عن الإسلام فحرمت عليه فلما كان العصر إستتاب فرجع فحلت له فلما كان
المغرب إرتدت هى فحرمت عليه فلما كان العشاء إستتابت فرجعت فحلت له فتعجب
الرشيد وفرح به وإشتد عجبه ثم أمر له بعشرة الآف درهم فقال الأعرابى : لا
حاجة لى بها ردها إلى أصحابها ثم قام الأعرابى منصرفاً فلما سأل الرشيد عنه
قيل له هو موسى الرضا بن جعفر الصادق بن محمد بن على بن الحسين بن على بن
أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين