فقة السيرة النبوية للبوطى

عندما اخذ رسول الله يستقبل فترة الشباب بدأ بالسعى للرزق وراح يشتغل برعى الاغنام وحفظه الله من كل ما قد ينحرف اليه الشباب من مظاهر اللهو والعبث . قال عليه الصلاة والسلام ( ما هممت بشئ مما كانوا فى الجاهلية يعملونه غير مرتين حتى اكرمنى الله بالرساله . قلت ليلة للغلام الذى يرعى معى بأعلى مكة لو ابصرت غنمى حتى ادخل مكة واسمر بها كما بسمر الشباب فقال : افعل فخرجت حتى اذا كنت عند اول دار بمكة سمعت عزفا فقلت ما هذا ؟ فقالوا عرس فجلست اسمع فضرب الله على اذنى فنمت فما ايقظنى الا حر الشمس فعدت الى صاحبى فسألنى فأخبرته ثم قلت له ليلة اخرى مثل ذلك فأصابنى مثل اول ليلة ثم ما هممت بعده بسوء) ونجد من ذلك

ان النبى كان متمتعا بخصائص البشرية كلها وكان يجد فى نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التى جبلهم الله عليها

ان الله عزوجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف وعن كل مالايتفق مع مقتضيات الدعوة التى هيأه الله لها

كان من اليسير ان يولد الحبيب صلى الله عليه وسلم وقد نزعت من نفسه كل هذه الدوافع الغريزية فلا يجد فى نفسه ما يدفعه اصلا الى ترك اغنامه امانه عند زميله ليهبط الى بيوت ليبحث عن قوم يلهون ويسمرون ويمرحون غير ان ذلك كان سيدل على شذوذ فى تركيبه النفسى وليس ثمة ما يدل على العناية الخفية التى تصرفه عما لا يليق رغم وجود الدوافع الغريزية

دلالات اقبال الرسول صلى الله عليه وسلم على رعى الغنم واكتساب الرزق :

الذوق الرفيع والاحساس الرقيق واللذان جمل الله تعالى بهما نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث انه رغم رعاية عمه به وحنانه عليه الا انه اثر الكسب بجهده لرفع بعض ما يمكن رفعه من مؤنه الانفاق عن عمه

الحكمة الالهية تقتضى ان نعلم ان خير مال الانسان ما أكتسبه بكد يمينه ولقاء ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه وبنى جنسه

صاحب اى دعوة لن تقوم لدعوته اى قيمة فى الناس اذا ماكان كسبه ورزقه من وراء دعوته او على اساس عطايا الناس وصدقاتهم وحتى لاتكون عليه لاحد من الناس منة او فضل فى دنياه فيعوقه ذلك عن أن يصدع بكلمة حق فى وجهه غير مبال بالموقع الذى قد تقع من نفسه

كانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال ولما بلغها عن رسول الله صدق الحديث وعظم الامانه وكرم الاخلاق ارسلت اليه ليخرج فى مالها الى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره وقبل الرسول عليه الصلاة والسلام ورحل الى الشام وحالفه التوفيق وعاد الى خديجة بأرباح مضاعفة وأدى ما عليه فى امانة تامة ونبل عظيم . فأعجبت خديجة بعظم امانته فعرضت عليه الزواج بواسطة صديقتها ( نفيسة بنت منية ) فوافق عليه الصلاة والسلام وكلم اعمامه وخطبوها له . وتزوجها عليه الصلاة والسلام وله من العمر 25 عاما ولها 40عاما

لو كان صلى الله عليه وسلم كبقية اقرانه من الشباب لطمع بمن هى اقل منه سنا وانما رغب فيها لشرفها ونبلها بين جماعتها وقومها حتى انها كانت تلقب فى الجاهلية بالعفيفة الطاهرة

ظل زواجه صلى الله عليه وسلم منها قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستون عاما وقد ناهز النبى عليه الصلاة والسلام الخمسين من العمر دون ان يفكر خلالها بالزواج بأى امرأة او فتاة اخرى

روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ( ماغرت على نساء النبى صلى الله عليه وسلم الا على خديجة وانى لم ادركها . قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح شاه قال ارسلوا بها الى اصدقاء خيجة . قالت فاغضبته يوما فقلت خديجة ! فقال انى رزقت حبها )

كثرة ذكره عليه الصلاة والسلام لافضال خديجة عليه . روى عن السيدة عائشة انها قالت ( كان رسول الله عليه الصلاة والسلام لايكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها . فذكرها يوما من الايام فأخذتنى الغيرة فقلت : هل كانت الا عجوزا قد ابدلك الله خيرا منها ؟ فغضب ثم قال <لا والله ما ابدلنى الله خيرا منها أمنت بى اذ كفر الناس وصدقتنى حين كذبنى الناس وواستنى بمالها اذ حرمنى الناس ورزقنى الله منها الولد دون غيرها من النساء >

اما زواجه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من عائشة ثم غيرها من النساء فكان لكل منهن قصة وسبب وحكمة يزيدان من ايمان المسلم بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال اخلاقه

الكعبة اول بيت بنى فى الارض لعبادة الله وتوحيده فيه وبناه ابو الانبياء ابراهيم عليه السلام بوحى من الله تعالى وساعده فى بناءها ولده اسماعيل عليه السلام قال تعالى ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء )

وحدث انه قبل البعثة بسنوات قليلة ان جرف مكة سيل عرم وأدى السيل الى تصدع جدران الكعبة وضعف بنيانها فلن تجد قريش بدا من اعادة تشيد الكعبة وشاركت جميع القبائل وشارك النبى صلى الله عليه وسلم فى بناءها وكان ينقل الحجارة على كتفه وكان له من العمر إذ ذاك 35 عاما وعندما تم بناء الكعبة ولم يظل سوى وضع الحجر الاسود تنازعت القبائل حول من يستحق شرف وضع الحجر الاسود فى مكانه ووصل بهم الخلاف الى درجة القتال فقد قربت بنو عبد الدار جفنه مملوءة دما وتعاقدوا هم وبنى عدى على الموت . ومكثت قريش على هذه الحال اربع ليال او خمسا الى ان قال قائل نستشير اول رجل يدخل علينا وما سيقوله سننفذه فكانت مشيئة الله تعالى ان يكون الداخل هو الرسول صلى الله عليه وسلم فما ان رأوه حتى قالوا الامين ارتضيناه . وهذا يدل على مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام عندهم وانه أمين مصدق وان تكذبيهم له لم يكن إلا عنادا وليس تكذيبا

اقترح عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام ان يفرش عباءته ويوضع الحجر الاسود فى وسطها وتقوم كل قبيلة بأختيار احد افرادها ويقوم كل المختارين ممثلى القبائل برفع العباءة والمشى بها حتى موضع الحجر الاسود فى الكعبة فيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم يوضع الحجر فىمكانه بيديه الشريفتين .

وكان ذلك دليل على مدى حكمته صلى الله عليه وسلم فى تدبير الامور وسياسة القضايا وقطع دابر الخصومات

عندما بدأ سنه عليه الصلاة والسلام يدنوا من الاربعين نشألديه حب العزلة بين الفترة والاخرى وحبب إليه الاختلاء فى غار حراء وهو جبل يقع فى الجانب الشمالى الغربى من مكة وكان يتعبد فيه الليالى ذوات العدد من عشرة ايام الى شهر ثم يعود للبيت ثم يلبث قليلا فيتزود من جديد لخلوة جديده اخرى وهكذا الى ان جاءه الوحى وهو فى احدى خلواته

العبرات المستفادة من اختلاؤه عليه الصلاة والسلام فى غار حراء

لا يكمل اسلام الفرد حتى يجمع الى عبادته ساعات من العزله والخلوة يحاسب فيها النفس ويراقب الله تعالى ويتفكر فى مظاهر الكون ودلائل ذلك عظمة الله

العزله ومحاسبة النفس دواء لأفات كثيرة لايقطع شرتها إلا العزله عن الناس ومنها الكبر - العجب - الحسد - الرياء - حب الدنيا كلها أفات من شأنها ان تتحكم فى النفس وتتغلغل الى اعماق القلب لذا يجب على صاحبها بين كل فترة واخرى ان يقف مع نفسه ليتأمل حقيقتها ومنشأها ومدى حاجتها الى عناية الله تعالى وتوفيقه فى كل لحظة من لحظات الحياة

ان تربية محبة الله عزوجل فى القلب هو منبع التضحية والجهاد واساس كل دعوة صحيحة ومحبة الله لا تأتى من مجرد الايمان العقلى به وانما يأتى بعد كثرة التفكير فى ألائه ونعمه والتأمل فى مدى جلاله وعظمته وذلك يتم بالخلوة والابتعاد عن شواغل الدنيا وضوضائها فى فترات متقطعة متكررة من الزمن

موضوع: بدء الوحى الخميس مايو 06, 2010 10:10 pm

روى الامام البخارى عن السيدة عائشة تصف كيفية بدء الوحى وتقول

اول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة فى النوم التى كانت تجئ مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فى غار حراء حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال له إقرأ فقال ما انا بقارئ قال فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم ارسلنى فقال : اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذنى فغطنى ثم ارسلنى فقال إقرا قلت ما انا بقارئ فقال إقرا قلت ماذا اقرأ قال إقرأ بسم ربك الذى خلق ثم اختفى فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى اهله يرجف من الخوف فدخل على السيده خديجة وهو يقول زملونى زملونى حتى هدأ روعه فقص عليها ما حدث وقال لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة كلا والله لا يخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الالحق ثم انطلقت به حتى اتت ابن عمها ورقة بن نوفل وكان تنصر فى الجاهليه ولما سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم قال له ورقة : هذا الناموس ( اى الوحى او جبريل ) الذى نزل على موسى ياليتنى كنت جذعا إذ يخرجك قومك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : او مخرجى هم ؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى وان يدركنى يومك انصرك نصرا مؤذرا . ثم لم يلبث ورقة ان توفى . ثم فتر الوحى واختلف فى الزمن الذى فتر فيه الوحى فقيل ثلاث سنوات وقيل اقل من ذلك والارجح انه ستة اشهر

الوحى هو منبع يقين المسلمين وايمانهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لذلك حاول المشككين التشكيك فيه وخلطوا بينه وبين الالهام وحديث النفس بل وحتى الصرع وامكنهم ان يمهدوا لفكرة ان كل ما دعا اليه محمد صلى الله عليه وسلم من المبادئ والاحكام الشرعية ليس الا من تفكيره الذاتى

ونرد عليهم بالنقاط التاليه

رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام لسيدنا جبريل اول مرة رؤية العين وليس من وراء حجاب مما اثار لديه الرعب منه والحيرة فى فهم حقيقته وللتأكد من انه حقيقة وليس وهم داخلى

حالة الرعب الذى اصابته عليه الصلاة والسلام عند رؤية الوحى تدل على انه فوجئ به وانه لم يكن متشوقا لحمل الرسالة وانها ليست من باب التأمل والتفكير التى تؤدى الى عقيدة يؤمن بها

حالة الخوف والرعب ورجفان الجسم وتغير اللون كلها انفعالات حقيقية لاسبيل الى اصطناعها والتمثيل بها

استحالة انقلاب طباعه صلى الله عليه وسلم المعروفة قبل البعثة الى عكس ذلك وصدقه صلى الله عليه وسلم 40 سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك يستدعى ان يكون عليه الصلاة والسلام من قبل ذلك صادقا مع نفسه ولابد ان يكون قضى فى دراسته لظاهرة الوحى على اى شك يخيل لعينه او فكره . قال تعالى < فإن كنت فى شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك . لقد جاءك الحق من ربك فلا تكن من الممترين > لذا روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال بعد نزول هذه الايه لا اشك ولا اسأل

استمرار الوحى يعد اكبر دليل على حقيقة الوحى وانه ليس كما اراد المشككون ظاهرة نفسية محضة وذلك كالتالى

التميز الواضح بين القرأن والحديث

كان النبى صلى الله عليه وسلم يسأل عن بعض الامور فلا يجيب عليها حتى ينزل القرأن فى شأن سؤاله وكذلك نزول القرأن يعاتبه على تصرف معين او لوم كنزول سورة عبس

كان الرسول صلى الله عليه وسلم اميا ولم يكن لديه علم بقصص الامم السابقة كقصة ام موسى وحالتها حينما القت وليدها فى اليم

بدأ النبى صلى الله عليه وسلم الدعوة الى عبادة الله وحده ونبذ الاصنام ولكنه كان يدعوا الى ذلك سرا حذرا من وقع المفاجأة على قريش التى كانت متعصبة لشركها ووثنيتها ولم يدعوا الا من كانت تشده اليه قرابة او معرفة سابقة

وكان فى اوائل من دخل الاسلام (خديجة بنت خويلد - على بن ابى طالب -ابو بكر بن ابى قحافة <ابو بكر الصديق >- عثمان بن عفان - الزبير بن العوام - عبد الرحمن بن عوف - سعد بن ابى وقاص ......وغيرهم ).

وكانوا يجتمعون سرا للقاء النبى صلى الله عليه وسلم واذا اراد احدهم ممارسة عبادة من العبادات ذهب ال شعاب مكة يستخفى عن انظار قريش

وعندما زاد عددهم على الثلاثين اختار لهم رسول الله دار الارقم بن ابى الارقم ليلتقى بهم فيها ليعلمهم ويرشدهم . وكانت حصيلة الدعوة فى هذه الفترة ما يقارب اربعين رجلا وامرأة وكان اغلبهم من الفقراء والارقاء

اء

حينما كلف الرسول عليه الصلاة والسلام بالدعوة بنزول قوله تعالى (يا أيها المدثر . فم فأنذر ) علم انه رسول الله الى الناس وان الإله الذى ابتعثه وكلفه بهذه الدعوة قادر على ان يحميه ويعصمه من الناس ولو امره الله من اول يوم ان يصدع بالدعوة بين الناس علنا لما توانى عن ذلك ساعة ولو كان فى ذلك مصرعه

لكن الله عزوجل الهمه واوحى اليه ان يبدأ الدعوة سرا وان لا يلقى بها الا من غلب على ظنه انه سيؤمن بها وفى ذلك درس لكل الدعاة من بعده وارشادا لهم للاخذ بالحيطة والحذر والاسباب الظاهرة من اجل الوصول الى غايات الدعوة واهدافها دون البعد عن الاعتماد على الله وحده والاتكال عليه

ونجد هنا ان تصرف الرسول عليه الصلاة والسلام فى هذه الفترة كان من قبيل السياسة الشرعية بوصفه اماما وليس من اعماله التبليغية عن الله تعالى بوصفه نبيا .

والخلاصة : انه يجب المسالمة او الاسرار بالدعوة اذا كان الجهر او القتال يضر بها ولا يجوز الاسرار فى الدعوة اذا امكن الجهر بها وكان ذلك مفيدا ولا يجوز المسالمة مع الظالمين والمتربصين بها اذا توفرت اسباب القوة والدفاع عنها ولايجوز القعود عن جهاد الكافرين فى عقر دارهم اذا ما توفرت وسائل ذلك واسبابه

اختيار موفق فتح الله عليك وزادك من فضله الامام البوطى هذا عالم جليل كبير محب لرسول الله وال بيته الكرام صلوات ربى وتسليمه عليهم اجمعين

شكرا ونفعنا بعلمه وعلم كل العلماء الاجلاء

هذه الظاهرة هى الثمرة الطبيعية لدعوة الانبياء فى فترتها الاولى ونجد ان جميع الانبياء السابقين اول من اتبعهم هم الضعفاء والفقراء كما ذكر القرأن الكريم فى قصة نوح وتعيير قومه له ان من اتبعه كانوا من أراذل الناس - واتباع موسى وكيف ان فرعون كان يراهم أذلاء مستضعفين - وكيف تولى عن صالح زعماء قومه المستكبرون وأمن به الناس المستضعفون
والسبب فى ذلك ان هذا الدين الذى بعث الله به عامة انبيائه ورسله قائم على الخروج من سلطان الناس وحكمهم الى سلطان الله وحكمه وحده وهذه الحقيقة اول ما تخدش ألوهية التألهين وسطوة المتزعمين وتناسب حالة المستضعفين والمستذلين والمستعبدين فتكون رده الفعل هى مكابرة وعناد أولئك المتألهين المتحكمين واستجابة هؤلاء الضعفاء
وفى تأسيس الدولة الاسلامية على المستضعفين وبعد المتكبرين أعظم رد على محترفى الغزو الفكرى فى عصرنا الحاضر والذين يزعمون ان الدعوة التى قام بها محمد صلى الله عليه وسلم انما هى من وحى بيئته العربية نفسها وانها تمثل حركة الفكر العربى إذ ذاك ولم ينظر الى لو انها كانت كذلك لما كان رصيد هذه الدعوة بعد 3 سنوات من بدايتها 40 رجلا وامرأة معظمهم من الفقراء وتامستضعفين والارقاء وفى مقدمتهم أخلاط من الأعاجم ( صهيب الرومى - بلال الحبشى )

[/right]دخل الناس فى الاسلام ارسالا من النساء والرجال حتى فشا ذكر الاسلام بمكة وتحدث به فأمر الله رسوله بأن يصدع بما جاءه من الحق وان يبادئ الناس بأمره وان يدعوا اليه وكان هذا بعد مرور ثلاثة سنين من مبعثه
فأستجاب الرسول عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) وصعد على جبل الصفا واخذ ينادى < يابنى فهر - يابنى عدى - وجميع بطون مكة > حتى اجتمعوا اليه والذى لم يستطيع الحضور ارسل رسولا لينظر . فقال لهم عليه الصلاة والسلام أرأيتم لو اخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد ان تغير عليكم اكنتم مصدقى ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا قط قال : فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال له ابو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزل قوله تعالى ( تبت يدا ابى لهب وتب)
نجد فيما سبق ان الرسول صلى الله عليه وسلم حينما صدع بالدعوة الاسلامية فى قريش وعامة الناس فاجأهم بما لم يكونوا يتوقعونه او يألفونه وهذا واضحا فى رد ابى لهب عليه وفى هذا رد قاطع على نت يحاولون تصوير هذا الدين بشريعته واحكامه ثمرة من ثمار القومية وانها تمثل امال العرب ومطامحهم فى ذلك الحين

[center]وأنذر عشيرتك الاقربين

عندما نزل هذا النداء استجابة له الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع من حوله جميع زويه واهل قرابته وعشيرته وعرض عليهم الدعوة

الحكمة فى إنذار الاقربين :
- تحديد المسئولية الخاصة وهى مسئولية الشخص عن نفسة والمسئولية العامة وهى مسئولية المسلم عن اهله ومن يلوذون به من زوى القربى لذلك خصص الله الاهل والاقارب بضرورة التبليغ بعد ان امر بعموم التبليغ والجهرية

- اعانته صلى الله عليه وسلم على مسيرة الدعوة ونصر الدعوة وحمايته صلى الله عليه وسلم من اى اذى قد يناله من قريش ( الحمية القبلية )

عاب الرسول صلى الله عليه وسلم على قومه ان يأسروا انفسهم للتقاليد الموروثة عن ابائهم واجدادهم دون تفكير منهم فى مدى صلاحها او فسادها ودعاهم الى تحرير عقولهم من اسر الاتباع الاعمى وعصبية التقاليد وهذا دليل على ان هذا الدين مبنى على العقل والمنطق والفكر الحر دون ادنى تأثير بالعرف والتقاليد حيث ان احكامه قائمة على اساس المصالح الدنيوية والاخروية وهى مصالح تدرك بالتفكير والتدبر الذاتى وإن قصر عن ادراكها فهم بعض العقول

ونجد من هنا خطيئة اطلاق لفظ تقاليد اسلامية حيث ان هذه التسمية توحى فى الاذهان ان قيمة السلوك والخلق الاسلامى ليست بسبب كونه مبدأ إلهيا وانما بسبب ان كلا من النظام والخلق الاسلامى عبارة عن عادات قديمة موروثة من الاباء والاجداد والنتيجة القطعية لهذا الايحاء ان يضيق اكثر الناس ذرعا بهذا الميراث القديم الذى يراد فرضه على المجتمع فى عصر كل ما فيه متطور ومتقدم وجديد

موضوع: الايذاء الخميس سبتمبر 23, 2010 10:05 pm

[center]والله يعصمك من الناس
[right] اشتدت قريش فى معاداتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه

اما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد لاقى انواع كثيرة من الايذاء فقد روى عن عبد الله بنم عمرو بن العاص انه قال ( بينما النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى حجر اسماعيل اقبل عقبة بن ابى معيط فوضع ثوبه فى عنقة فخنقه خنقا شديدا فأقبل ابو بكر حتى اخذ بمنكبيه ودفعه عن النبى عليه الصلاة والسلام وقال : اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله ؟)

اما اصحابه رضوان الله عليهم فقد تجرع كل منهم ألوانا من العذاب حتى مات منهم من مات تحت العذاب كسمية والدة عماربن ياسر وعمى من عمى ولم يثنهم ذلك عن دين الله شيئا

اما عصمة الله نبيه فهى عصمة له من القتل والاذى المهين أما الايذاء البدنى فكان لحكمة وهى قرب النبى من الصحابة زانه يلاقى مثل ما يلاقون من إيذاء وكان فى ذلك تسرية عنهم وتصبير لهم

اما حكمة تعرض المؤمنين الى هذا الايذاء الى ان أول صفة للانسان فى الدنيا انه مكلف ومطالب من قبل الله عزوجل بحمل مافيه كلفة ومشقة وهذا التكليف من أهم مستلزمات العبودية لله تعالى واستلزم التكليف تحمل المشاق ومجاهدة النفس والاهواء ومن اجل هذا كان واجب عباد الله فى هذه الدنيا :

1- التمسك بالاسلام وإقامة المجتمع الإسلامى الصحيح

2- سلوك السبل الشاقة واقتحام المخاطر وبذل الجهد والمال من اجل تحقيق ذلك ونجد ان الايذاء الذى تعرض له الصحابة رضوان الله عليهم كان من اجل تحقيق تلك الاهداف وايضا لمعرفة صدق الصادقين وكذب الكاذبين حيث ان الفتنة والإبتلاء هما الميزان الذى يميز الصادق عن الكاذب .

اى ان المسلمين يقتربون من الغاية التى كلفهم الله بالوصول اليها بمقدار ما يجدونه فى طريقم الى ذلك من العذاب وبمقدار ما يستاقط منهم من الشهداء

سياسة المفاوضات

عندما لم تجد قريش أن الإيذاء يحول دون رسول الله ودون دعوته فكرت لتجد حل يخرجها من تلك المتاهة ويقنع الرسول عليه الصلاة والسلام بالتخلي عن دعوته وعندما جاء عتبة بن ربيعة وكان سيدا ذا بصيرة ورأى في قومه فنادى في قريش وقال لهم يامعشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه واعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطه أيها شاء ويكف عنا ؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد.
فذهب عتبة بن ربيعة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعرض عليه أن يجمعوا له مالا حتى يكون أكثرهم مالا وان يسودوه عليهم أن كان يريد شرفا وملكا وان يزوجوه احمل البنات لديهم . فظل يسمع عليه الصلاة والسلام ثم قال أفرغت يا أبا الوليد ؟ فقال نعم فقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أوائل سورة فصلت حتى وصل إلى قوله تعالى }فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود{ فأمسك عتبة بفيه وناشده الرحم أن يكف عن القراءة خوفا مما تضمنته الايه من تهديد
ثم عاد عتبة إلى قريش وقال لهم لقد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط يامعشر قريش اطيعونى وخلو بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم فقالوا : أسحرك يا ابا الوليد بلسانه فقال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
ثم أعاد أشراف قريش الكره مرة أخرى وكرروا المحاولة التي قام بها عتبة بن ربيعة فذهبوا إليه مجتمعين وعرضوا عليه ما عرضه عتبة فقال لهم < ما جئت بما جئتكم به اطلب أمولكم ولا الشرف فيكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وامرنى أن أكون بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة وان تردوه على اصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم >
فطلبت قريش ان يسأل الله ان يسير عليهم الجبال وان يفجر لهم الأنهار وان يبعث من مضى من آباءهم وان يجعل للنبي قصورا وكنوزا من ذهب وفضة فإن صنع ما سألوه صدقوه وعرفوا منزلته من الله وانه رسول . لكن الرسول قال لهم : ما أنا بالذي يسأل ربه هذا . فقالوا له : إنا والله لا نتركك ما بلغت منا حتى نهلك او تهلكنا . ثم قاموا وانصرفوا عنه .

عبر وعظات سياسة المفاوضات

العبرة الاولى : توضح لنا حقيقة الدعوة التى قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم وتفصلها عن كل ما يالتبس بها من اهداف واغراض قد يضمرها ارباب الدعوات الجديدة والمنادون بالاصلاح من الوصول الى ملك او زعامة أو غنى ومن جليل حكمة الله تعالى قيام مشركوا قريش بسلسلة من المفاوضات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تبين دوافع دعوته صلى الله عليه وسلم وحتى ينطق التاريخ بتكذيب كل من سيأتي من محترفي التشكيك والغزو الفكرى فى كل زمن ( والدليل رفضه صلى الله عليه وسلم لكل ما عرض عليه وظل الى اخر يوم فى حياته على هذا المبدأ حتى انه مات ولم يوجد فى بيته شئ يؤكل الا شطر شعير )

العبرة الثانية : الحكمة التى يتصف بها النبى صلى الله عليه وسلم ( والدليل على ذلك انه من المتصور من باب الحكمة والسياسة ان يرضى الرسول عليه الصلاة والسلام بالزعامة والملك وان يتخذهما وسيلة تحقيق دعوة الإسلام فيما بعد ولكن النبى لم يرضى سلوك هذه السياسة وجعلها الوسيلة لدعوته لان ذلك ينافى مبادئ الدعوة نفسها )
... والخلاصة : انه ليس لاحد من الناس ان يغير شيئا من احكام الاسلام ومبادئه او يتجاوز شيئا من حدوده او يستهين بها باسم اتباع الحكمة فى النصيحة والدعوة لان الحكمة لا تعتبر حكمة الا اذا كانت مقيدة ومنضبطة ضمن حدود الشريعة ومبادئها واخلاقها

العبرة الثالثة : عدم استجابة الله لقريش من ان يحول الجبال انهارا ويبعث من مات وغيرها من المطالب ليس عدم استجابة للرسول وان الرسول صلى الله عليه وسلم ما اوتى من المعجزات الا معجزة القرآن وانما لان الله عزوجل علم أنهم إنما يطالبون بذلك كفرا وعنادا وإمعانا فى الاستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم ولو علم الله عزوجل فيهم صدق الطلب وحسن النية لحقق لهم ذلك

الحصار الاقتصادي

اجمع كفار قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلموا فى ذلك بني هاشم وبنى عبد المطلب لكنهم ابوا تسليمه صلى الله عليه وسلم اليهم مما زاد من حنق قريش وغضبهم فأجمعوا أمرهم على منابذته عليه الصلاة والسلام ومنابذة من معه من المسلمين ومن يحميه من بنى هاشم وبنى عبد المطلب وكتبوا بذلك كتابا تعاقدوا فيه على الا يتزوجوا منهم ولا يبايعوهم ولا يقبلوا منهم صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم ليقتلوه وعلقوا الكتاب فى جوف الكعبة . والتزم الكفار بهذا الكتاب ثلاث سنوات , وحوصر بنو هاشم وبنوعبد المطلب ومن معهم من المسلمين ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شعب بنى المطلب .
اما المسلمون فتجمعوا فى الشعب تدينا واما الكافرون من بنو هاشم وبنو المطلب فتجمعوا حمية للقرابة الا ابى لهب فقد خرج الى قريش فظاهر النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه
وجهد النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون جهدا شديدا فى هذا الأعوام الثلاثة واشتد عليهم البلاء حتى انهم كانوا يأكلون ورق الشجر لانه ما كان يأتى احد أصحاب رسول الله الى السوق ليشترى شيئا من الطعام يقتاته لاهله حتى يقوم ابو لهب ( يامعشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا شيئا معكم ) فيزيدون عليهم فى السلعة قيمتها اضعافا حتى يرجع الى اطفاله وهم يتضورون جوعا وليس فى يده شئ لهم
وفى نهاية السنة الثالثة من الحصار اجمع قوم من بنى قصى امرهم على نقض معاهدة قريش وارسل الله على صحيفتهم التى كانت معلقة داخل الكعبة الأرضة فأتت على ما فيها من ظلم ولم يسلم الا الكلمات التى ذكر فيها الله عزوجل وقد اخبر رسول الله عمه أبا طالب بذلك فلما ذهب ابوطالب الى قريش ليخبرهم ذلك وطلب منهم ان يأتوه بالصحيفة وقال إن كان محمدا صادقا فيما اخبرنى به وهو لم يكذبنى قط فأفيقوا وارجعوا عن سوء رايكم وان كان الذى يقول باطلا دفعناه إليكم ففعلتم به ما تشاءون
الخمسة الذين مشوا فى نقض الوثيقة وهم من رؤساء قريش ( هشام بن عمروبن الحارث , زهير بن امية , المطعم بن عدى , ابو البخترى بن هشام , زمعة بن الأسود )

العبر والعظات المستفادة من الحصار الاقتصادى

1- الشدة التى لقيها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة نظير ثباتهم على الحق والايمان بالله وهوان الدنيا فى نظرهم
2- ثبات المشركين من بنى هاشم وبنى المطلب فى الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ودخولهم الشعب معه وفى ذلك نجد ملحوظتين :

أ- الثبات على الشرك والاستكبار على الحق الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم

ب- الانصياع للحمية التى تدعوا الى حماية القريب من بطشة الغريب وظلمه سواء كان على حق او باطل
3- حماية اقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم له لم تكن حماية للرسالة التى بعث بها وانما حماية لشخصه من الغريب وهذه هى حمية الجاهلية ومع ذلك لم يحقق النبى صلى الله عليه وسلم اى فائدة من اعتصامهم معه حيث انهم اوذوا كما اوزى هو واصحابه وقاطعتهم قريش بالضراوة والشراسة التى قاطعت بها المسلمين

الرد على من قال ان رسالة محمد عليه الصلاة والسلام وايمان اصحابه بها انما هى ثورة الفقراء ضد الاغنياء

1- لقد عرض المشركون على محمد صلى الله عليه وسلم الثراء والزعامة والملك فى سبيل التخلى عن الدعوة الى الاسلام فلو كان الهدف من الدعوة هو الثراء والزعامة وثورة الفقراء ضد الاغنياء لقبل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العروض ولضغط عليه اصحابه لقبولها وهذا ما لم يحدث
2- اذا كانت هذه ثورة الفقراء لماذا ظل الصحابة على ثباتهم فى الحصار حيث لم تترك سلعة تتسلل الى ايديهم ولم يترك الطعام يدخل الى بيوتهم حتى راحوا يأكلون ورق الشجر وهم على ذلك صابرون
3- هجرتهم الى المدينة وتركهم المال والارض والممتلكات المختلفة وقد تجردوا عن كل ما يتعلق به الطامعون فى المال لا يبتغون عن ايمانهم بالله بديلا ولايقيمون وزنا لدنيا فاتتهم ولملك ادبر عنهم

دليل اصحاب هذا الفكر على مايقولون :

أ‌- ان الجماعة الاولى من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فى مكة كانت اغلبها من الفقراء والموالى والمضطهدين
ب‌- ان هؤلاء الاصحاب مالبثوا بعد حين ان فتحت عليهم افاق الدنيا واقبل اليهم الثراء والمال وهذا يدل على انهم كانوا يسعون الى ذلك منذ البداية

الرد عليهم :
ان شريعة الله تقضى بإرساء ميزان العدالة والضرب على يد كل ظالم وطاغية لذا كان من الطبيعى ان يكفر بها ويحاربها اصحاب الجاه والسلطان لانها ستحملهم من المغارم اكثر مما تقدم اليم من المغانم وان يرحب بها كل مستضعف مظلوم لانها تقدم لانها من المغانم اكثر مما تحملهم من المغارم
لو ان المسلمين ارادوا من وراء اسلامهم الوصول الى شهوة من شهوات الدنيا لما تحقق لهم ولو جزء يسير من معجزة فتح بلاد الفرس والروم ولما يدخل ربعى بن عامر رضى الله عنه سرادق رستم مزدريا مظاهر الترف متكأ على رمحه يزجه على البسط والنمارق الفاخرة حتى افسدها ولما قال لرستم ( ان دخلتم الاسلام تركناكم وارضكم واموالكم ) اهكذا يقول من جاء يسلب الملك والارض والمال ؟ لقد اكرمهم الله بمقدرات الدنيا كلها لانهم لم يكونوا يفكرون فيها وانما كان تفكيرهم منصرفا الى تحقيق مرضاة الله

اول هجرة فى الاسلام

لماىرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب اصحابه من بلاء وهو غير قادر على حمايتهم مما هم فيه قال لهم ( لو خرجتم الى ارض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما انتم فيه )
فخرج المسلمون الى ارض الحبشة فرارا الى الله بدينهم وكانت هذه اول هجرة فى الاسلام . واول من هاجر عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله وابو حذيفة وزوجته والزبير بن العوام وجعفر بن ابى طالب حتى اجتمكع عددهم بضعة وثمانون رجلا
فلما رأت قريش ذلك ارسلت الى النجاشى عبد الله بن ابى ربيعة وعمروبن العاص (لم يكن اسلم بعد ) بهدايا كثيرة اليه والى جاشيته وبطارقته رجاء ان يرفض قبول المسلمين ويسلمهم اليهم
فلما ذهبا الى النجاشى وكلموه فى ذلك فرفض النجاشى ان يسلم احد من المسلمين اليهم قبل ان يكلمهم ويسمع منهم . فجئ بالمسلمين الى النجاشى ورسولا قريش عنده فقال لهم : ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به فى دينى ولا فى دين احد من الملل؟
فقال له جعفر بن ابى طالب ( ايها الملك كنا اهل جاهلية نعبد الاصنام ونأكل الميته ونأتى الفراحش ونقطع الارحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده وامرنا بصدق الحديث واداء الامانه وصلة الرحم ونهانا عن الفواحش فصدقناه وامنا به واتبعناه على ماجاء به من الله فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الاوثان فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا فخرجنا الى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا فى جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك )
فسأله النجاشى ان يتلوا عليه شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه جعفر صدرا من سورة مريم فبكى النجاشى وقال إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة والتفت الى رسولا قريش قائلا والله لا اسلمهم اليكما فقالا للنجاشى ايها الملك انهم يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل اليهم النجاشى يسألهم عما يقولون فقال جعفر بن ابى طالب ( نقول فيه هو عبد الله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول ) فأخذ النجاشى عودا وخط به على الارض وقال والله ما عدا عيسى بن مريم هذا الخط . ثم رد الى قريش هداياهم واستمسك بالمسلمين
وبعد فترة من الزمن بلغهم إسلام اهل مكة فرجعوا لما بلغهم ذلك حتى اذا دنوا من مكة علموا أن ما سمعوه باطل فلم يدخل احد منهم مكة الا بجوار او مستخفيا

الدروس المستفادة من اول هجرة فى الاسلام

1- التمسك بالدين واقامة دعائمة اساس ومصدر لكل قوة وحفظ كل حق من مال وارض وحرية وكرامة لذا وجب على المجاهدين فى سبيله ان يجندوا كل امكانياتهم لحماية الدين ومبادئه لانه إذا فقد الدين او غلب عليه لم يغن من ورائه الوطن والمال والارض بل سيذهبوا ورائه

2- إذا كانت الامة غنية فى خلقها وعقيدتها السليمة ومبادئها الصحيحة فإن سلطانها المادى يغدوا اكثر تماسكا وارسخ بقاء وإذا كانت فقيرة فى خلقها مضطربة فى عقيدتها تائهة فى نظمها ومبادئها فإن سلطانها المادى يغدوا اقرب الى الاضمحلال ومكتسباتها المادية اسرع الى الزوال مهما طال بها الزمن وهذا ما رصدته عين التاريخ الساهرة

3- حقيقة العلاقة القائمة بين ما جاء به سيدنا محمد وسيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام ونجد هذا واضحا فى قول النجاشى إن هذا والذى جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة وهذا رد على من يزعمون انهم ينتمون الى عيسى بن مريم ومتمسكين بالإنجيل ومع ذلك يقولون إن عيسى بن الله وانه ثالث ثلاثة

4- يجوز للمسلمين الدخول فى حماية غير المسلمين اذا دعت الحاجة الى ذلك سواء أكان المجير من اهل الكتاب كالنجاشى ام كان مشركا كالذين عاد المسلمون الى مكة فى حمايتهم عند رجوعهم من الحبشة على الا يستلزم مثل هذه الحماية إضرارا بالدعوة الاسلامية

اول وفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فى غمرة ما كان يلاقية النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه من العذاب والإيذاء جاءه بضعة وثلاثين رجلا من نصارى الحبشة جاؤوا مع جعفر بن ابى طالب لدى عودته الى مكة فلما جلسوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واطلعوا على صفاته واحواله وسمعوا ما تلى عليهم من القرأن امنوا كلهم فلم علم ابو جهل بذلك قال لهم ما رأينا ركبا احمق منكم ارسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال . فقالوا : سلام عليكم لا نجادلكم لنا ما لنحن عليه ولكم ما انتم عليه لم نأل انفسنا خيرا . فنزل فيهم قول الله تعالى ( الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا امنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين اولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لانبتغى الجاهلين ) القصص52: 55

عبر وعظات
1

1- قدوم هذا الوفد فى هذا الوقت الذى يعانى فيه المسلمون اشد العذاب والايذاء ليتعلموا عن الاسلام ويعلنون الولاء له فهذه دلاله على ان اعداء الدعوة الاسلامية لن يستطيعوا مهما ضيقوا عليها ومهما عذبوا اربابها ان يمنعوها من ان تؤتى ثمارها وان يحبسوها عن الانتشار فى مشارق الارض ومغاربها

2- ايمان افراد هذا الوفد استمرار لإيمانهم السابق بعيسى بن مريم عليه السلام وان من تمسك تمسكا حقيقيا بما جاء به عيسى عليه السلام او بما جاء به موسى عليه السلام يستدعى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والايمان بالقرأن الكريم وهذا يدل على ان الدين الحق واحد لم يتعدد منذ خلق الله ادم عليه السلام الى بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وان كلمة الاديان السماوية التى يستعملها بعض الناس كلمة لا معنى لها فهو دين واحد بشرائع سماوية متعددة وكل شريعة سماوية ناسخة للشريعة التى قبلها

الدين : يطلق على العقيدة
الشريعة : تطلق على الاحكام السلوكية المتعلقة بالعبادات والمعاملات

عام الحزن

فى العام العاشر وفى قول العام السابع من بعثته صلى الله عليه وسلم توفيت زوجته خديجة بنت خويلد رضى الله عنها التى كان يشكوا اليها الرسول صلى الله عليه وسلم ويجد عندها انسه وسلواه وتوفى عنه ابو طالب الذى كان عضدا فى امره وناصر له على قومه
وسمى عام الحزن بهذا الاسم لشده ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشدائد فى سبيل الدعوة وقد يكون لحزنه على زوجه شريك عمره وسلواه وعلى عمه ناصره والمشد من ازره لكنه ليس الحزن الذى يقعد ويحبط من العزيمة والاصح انه سمى الحزن لانغلاق معظم ابواب الدعوة فى وجهه
وقيل ان النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى اطلق هذا الاسم وقيل المؤرخين

الحكمة من تعجل قضاء الله فى وفاة ابو طالب قبل ان يشتد ساعد المسلمين

لو بقى ابو طالب الى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم يحميه الى ان تقوم الدولة الاسلامية فى المدينة لكان فى ذلك ما قد يوهم ا ن ابا طالب كان من وراء هذه وانه هو الذى كان يحميها بمكانته وسلطانه بين قومه
بيان ان الحمايه والعناية والنصر إنما يأتى كل ذلك من الله عزوجل وانه سبحانه وتعالى يعصم رسوله من المشركين والاعداء والعصمة هى العصمة من القتل او من اى عدوان من شأنه ايقاف الدعوة الاسلامية
لو ان النبى صلى الله عليه وسلم نجح فى دعوته بدون اى مشقة او جهد لطمع اصحابه والمسلمون من بعده ان يستريحوا كما استراح ولأستثقلوا المصائب والمحن التى قد يجدونها فى طريقهم الى الدعوة الاسلامية لكن فى هذه الحالة فإن مما يخفف وقع المحنة والعذاب على المسلمين شعورهم انهم يذوقون مما ذاقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانهم يسيرون فى الطريق ذاتها التى أوذى فيها رسول الله